فصل: فصل في تخريج الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الصف: آية 8]

{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8)}
{يُرِيدُونَ} مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة استئنافية لا محل لها {لِيُطْفِؤُا} مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والواو فاعله {نُورَ اللَّهِ} مفعوله مضاف إلى لفظ الجلالة والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بالفعل {بِأَفْواهِهِمْ} متعلقان بالفعل {وَ} الواو حالية {اللَّهُ مُتِمُّ} مبتدأ وخبره {نُورِهِ} مضاف إليه والجملة حال {وَ} الواو حرف عطف {لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} {لو} وصلية وماض وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها.

.[سورة الصف: آية 9]

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}
{هُوَ الَّذِي} مبتدأ وخبره والجملة استئنافية لا محل لها {أَرْسَلَ} ماض فاعله مستتر {رَسُولَهُ} مفعول به والجملة صلة لا محل لها {بِالْهُدى} متعلقان بالفعل {وَدِينِ} معطوف على الهدى {الْحَقِّ} مضاف إليه {لِيُظْهِرَهُ} مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والهاء مفعوله والفاعل مستتر والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بأرسل {عَلَى الدِّينِ} متعلقان بالفعل {كُلِّهِ} توكيد {وَ} الواو حالية {لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} {لو} وصلية وماض وفاعله والجملة حال.

.[سورة الصف: آية 10]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10)}
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} سبق إعرابها و{هَلْ أَدُلُّكُمْ} هل حرف استفهام ومضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة الفعلية ابتدائية لا محل لها {عَلى تِجارَةٍ} متعلقان بالفعل {تُنْجِيكُمْ} مضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة صفة تجارة {مِنْ عَذابٍ} متعلقان بالفعل {أَلِيمٍ} صفة {عذاب}.

.[سورة الصف: آية 11]

{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)}
{تُؤْمِنُونَ} مضارع وفاعله {بِاللَّهِ} متعلقان بالفعل {وَرَسُولِهِ} معطوف على لفظ الجلالة والجملة استئنافية لا محل لها {وَتُجاهِدُونَ} معطوف على {تؤمنون} {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} متعلقان بالفعل ولفظ الجلالة مضاف إليه {بِأَمْوالِكُمْ} متعلقان بالفعل أيضا {وَأَنْفُسِكُمْ} معطوف على أموالكم {ذلِكُمْ خَيْرٌ} مبتدأ وخبره والجملة استئنافية لا محل لها {لَكُمْ} متعلقان بخير {إِنْ كُنْتُمْ} إن شرطية جازمة وماض ناقص في محل جزم والتاء اسمه {تَعْلَمُونَ} مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة الفعلية خبر {كنتم} وجواب الشرط محذوف.

.[سورة الصف: آية 12]

{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)}
{يَغْفِرْ} مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للأمر المفهوم من قوله: {تؤمنون باللّه} والفاعل مستتر {لَكُمْ} متعلقان بالفعل {ذُنُوبَكُمْ} مفعول به والجملة لا محل لها {وَيُدْخِلْكُمْ} معطوف على {يغفر لكم} {جَنَّاتٍ} مفعول به ثان ومضارع {مِنْ تَحْتِهَا} متعلقان بالفعل {الْأَنْهارُ} فاعل والجملة صفة جنات {وَمَساكِنَ} معطوف على جنات {طَيِّبَةً} صفة مساكن {فِي جَنَّاتِ} متعلقان بمحذوف حال {عَدْنٍ} مضاف إليه {ذلِكَ الْفَوْزُ} مبتدأ وخبره {الْعَظِيمُ} صفة والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها.

.[سورة الصف: آية 13]

{وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}
{وَأُخْرى} مبتدأ مؤخر والخبر مقدم محذوف {تُحِبُّونَها} مضارع وفاعله ومفعوله والجملة صفة أخرى {نَصْرٌ} خبر لمبتدأ محذوف والجملة مفسرة لا محل لها {مِنَ اللَّهِ} متعلقان بنصر {وَفَتْحٌ} معطوف على {نصر} {قَرِيبٌ} صفة {فتح} {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} الواو حرف عطف وأمر فاعله مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها {الْمُؤْمِنِينَ} مفعول به.

.[سورة الصف: آية 14]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قال الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14)}
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} سبق إعرابها. {كُونُوا} فعل أمر ناقص والواو اسمه {أَنْصارَ اللَّهِ} خبره مضاف إلى لفظ الجلالة والجملة ابتدائية لا محل لها {كَما} صفة مفعول مطلق محذوف {قال عِيسَى} ماض وفاعله {ابْنُ} بدل من {عيسى} {مَرْيَمَ} مضاف إليه {لِلْحَوارِيِّينَ} متعلقان بالفعل والمصدر المؤول من ما والفعل في محل جر بالكاف {مَنْ} اسم استفهام مبتدأ {أَنْصارِي} خبر {إِلَى اللَّهِ} متعلقان بمحذوف حال والجملة مقول القول {قال الْحَوارِيُّونَ} ماض وفاعله والجملة استئنافية لا محل لها {نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ} مبتدأ وخبره ولفظ الجلالة مضاف إليه والجملة مقول القول، {فَآمَنَتْ طائِفَةٌ} الفاء حرف عطف وماض وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها {مِنْ بَنِي} متعلقان بمحذوف صفة طائفة {إِسْرائِيلَ} مضاف إليه وجملة {وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ} معطوفة على ما قبلها. {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ} الفاء حرف استئناف وماض وفاعله واسم الموصول مفعوله والجملة استئنافية لا محل له {آمَنُوا} ماض وفاعله والجملة صلة. {عَلى عَدُوِّهِمْ} متعلقان بالفعل {فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ} الفاء حرف عطف وأصبح واسمها وخبرها والجملة معطوفة على ما قبلها. اهـ.

.فصل في تخريج الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

قال الزيلعي:
سورة الصف ذكر فِيهَا ثَلَاثَة أَحَادِيث:
1334- الحديث الأول:
رُوِيَ أَن رجلا آذَى الْمُسلمين وَنَكَى فيهم فَقتله صُهَيْب وَانْتَحَلَ قَتله آخر فَقال عمر لِصُهَيْب أخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ أَنَّك قتلته فَقال إِنَّمَا قتلته لله وَلِرَسُولِهِ فَقال عمر يَا رَسُول الله قَتله صُهَيْب قال: «كَذَلِك يَا أَبَا يَحْيَى» قال نعم فَنزلت فِي الْمُنْتَحل.
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ أَنا الْحُسَيْن بن فَنْجَوَيْهِ الدينَوَرِي ثَنَا ابْن أبي صقْلَابٍ ثَنَا أَبُو الْحَارِث بن سعيد بِدِمَشْق ثَنَا أَحْمد بن مَنْصُور الرَّمَادِي ثَنَا مُحَمَّد بن يَعْقُوب ابْن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ ثَنَا حُصَيْن بن حُذَيْفَة الصُّهَيْبِيُّ ثَنَا يَحْيَى عَن سعيد بن الْمسيب عَن صُهَيْب قال كَانَ رجل يَوْم بدر قد آذَى الْمُسلمين ونكاهم فَقتله صُهَيْب فَقال رجل يَا رَسُول الله قتلت فلَانا ففرح بذلك رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فَقال عمر وَعبد الرَّحْمَن لِصُهَيْب أخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ أَنَّك قتلته فَإِن فلَانا يَنْتَحِلهُ فَقال صُهَيْب إِنَّمَا قتلته لله وَرَسُوله فَقال عمر وَعبد الرَّحْمَن يَا رَسُول الله إِنَّمَا قَتله صُهَيْب قال: «كَذَلِك يَا أَبَا يَحْيَى» قال نعم يَا رَسُول الله فَأنْزل الله تَعَالَى: {يأيها الَّذين آمنُوا لم تَقولونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}... انْتَهَى.
1335- الحديث الثَّانِي:
قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الزُّبَيْر ابْن عَمَّتي وَحَوَارِيي من أمتِي».
قلت رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكُبْرَى فِي كتاب المناقب ثَنَا أَحْمد بن حَرْب ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الزُّبَيْر ابْن عَمَّتي وَحَوَارِيي من أمتِي» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه فِي كتاب الْفَضَائِل وَكَذَلِكَ فِي مُسْنده أَيْضا ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة سندا ومتنا.
والْحديث فِي الصَّحِيحَيْنِ بعضه أَخْرجَاهُ فِي الْفَضَائِل من حديث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إِن لكل نَبِي حوارِي وَحَوَارِيي الزُّبَيْر». انْتَهَى.
1336- الحديث الثَّالِث:
عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سُورَة الصَّفّ كَانَ عِيسَى مُصَليا عَلَيْهِ مُسْتَغْفِرًا لَهُ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة رَفِيقَة».
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن الْخَبَّازِي ثَنَا ابْن حَنش الْمُقرئ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن مُوسَى الرَّازِيّ ثَنَا عبد الله بن روح الْمَدَائِنِي ثَنَا شَبابَة بن سوار الْفَزارِيّ ثَنَا مخلد بن عبد الْوَاحِد عَن عَلّي بن زيد وَعَطَاء بن أبي مَيْمُونَة عَن زر بن حُبَيْش عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ... فَذكره. وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه بسنديه فِي آل عمرَان، وَرَوَاهُ الواحدي فِي تَفْسِيره الْوَسِيط بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدّم فِي يُونُس. اهـ.

.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

قال إلكيا هراسي:
سورة الصف:
قوله تعالى: {لِمَ تَقولونَ ما لا تَفْعَلُونَ}، الآية/ 2.
يحتج به في وجوب الوفاء بالنذر، في نذر اللجاج، على أحد قولي الشافعي. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها الصف:

.[سورة الصف: آية 5]

{وَإِذْ قال مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (5)}
قوله سبحانه: {فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[5] وهذه استعارة. وكنا أغفلنا الكلام على نظيرها في آل عمران. وهو قوله تعالى: {رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا} لأن ذلك أدخل في باب الكلام على الآي المتشابهة، وأبعد من الكلام على الألفاظ المستعارة. إلا أننا رأينا الإشارة إلى هذا المعنى هاهنا، لأنه مما يجوز أن يجرى في مضمار كتابنا هذا، فنقول:
إن المراد بقوله تعالى: {رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا} أي لا تحمّلنا من التكاليف ما لا طاقة لنا به، فتزيغ قلوبنا، أي تميل عن طاعتك، وتعدل عن طريق مرضاتك، فتصادفها زائغة، أو يحكم عليها الزيغ عند كونها زائغة.
وقد يجوز أن يكون المراد بذلك: أي أدم لنا ألطافك وعصمك لتدوم قلوبنا على الاستقامة، ولا تزيغ عن مناهج الطاعة. وحسن أن يقال: لا تزغ قلوبنا بمعنى الرغبة في إدامة الألطاف، لما كان إعدام تلك الألطاف في الأكثر يكون عنه زيغ القلوب، ومواقعة الذنوب.
وقد استقصينا الكلام على ذلك في كتابنا الكبير.
وأما قوله تعالى في هذه السورة: {فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} فهو أوضح فيما يذهب إليه من الأول، لأنه سبحانه لما زاغوا عن الحق حكم عليهم بالزّيغ عنه، وحكمه بذلك أن يأمر أولياءه بذمّهم ولعنهم والبراءة منهم عقوبة لهم على ذميم فعلهم. وقد يجوز أن يكون معنى ذلك أنهم لما زاغوا عن الحق خذلهم وأبعدهم وخلّاهم واختيارهم، وأضاف سبحانه الفعل إلى نفسه على طريق الاتساع، لما كان وقوع الزّيغ منهم مقابلا لأمره لهم باتباع الحقّ، وسلوك الطريق النهج. كما قال تعالى: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} أي وقع نسيانكم لذكرى، في مقابلة أمر أولئك العباد الصالحين لكم بأن تسلكوا الطريق الأسلم، وتتّبعوا الدين الأقوم. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الصف:
الرسالات الكبرى تحتاج في نصرتها وحمايتها إلى الجد والصدق، ولا يصلح في مساندتها أهل الكلام والدعوى، ولا الجبناء الذين إذا كلفوا بالجهاد تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت! إن المبطلين وأصحاب الأهواء لديهم جراءة في خدمة ما يعتنقون، ولن يستطيع قهرهم إلا مؤمنون شداد يستميتون في دعم الحق، ويرخصون في سبيله النفس والمال، ويتراصون في مواجهة العدو، كلما استشهد بطل حل مكانه آخر. {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}. أما الكلام المرسل والصياح العالي، فلا يجديان في بلوغ غاية. ولذلك عوتب المؤمنون الذين لا يرتفعون إلى هذا المستوى {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}. إن المؤمن عندما يتفانى في مرضاة ربه، يتجاوب مع كل شيء في الكون يسبح بحمد ربه. أما المقصر العاصي، فهو شذوذ في الكون وخروج على قاعدة الطاعة، ولذلك افتتحت سورة الصف بهذه الآية. {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}. ثم وقع بعد ذلك التوبيخ، وذكرت الأمم التي لم تصدق الله، بل حادت الله ورسله. وأول هذه الأمم اليهود الذين آذوا موسى وأتعبوه وفقدوا الشجاعة في مقاتلة عدوه، وسرعان ما ضيعوا الكتاب الذي نزل عليهم. {وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}. وخذلان أي نبي يكون بالزهد في تعاليمه والجزع من لقاء عدوه.. ثم ذكرت السورة عيسى وقومه.. فبينت أن عيسى عليه السلام صاحب رسالة محدودة الزمان والمكان، فهو مبعوث إلى خراف بني إسرائيل الضالة، يربطها بالتوراة التي تمردت عليها، ويعالج أمراضها النفسية والاجتماعية، ويمهد لنبوة عامة تهدى البشر كلهم إلى الله الواحد.. {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد...}. وعندما ننظر في الكتب التي ألفها تلامذة عيسى، والتي سقيت تجوزا أناجيل، نجد كلمات جديرة بأن نقف عندها متأملين. ف في إنجيل متى في الإصحاح الرابع والعشرين يقول عيسى عليه السلام.... ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلون كثيرا، ولكن الذي يصير إلى المنتهى فهذا يخلص ويكرز- أي يدعو- ببشارة الملكوت هذه، في كل المسكونة، شهادة لجميع الأمم ثم يكون المنتهى... ونتساءل: من هذا الذي يدعو الملكوت ويعرض نفسه على العالم أجمع ويبقى حتى نهاية العالم؟ هل عرفت هذه الصفات لشخص آخر غير محمد؟ وفي إنجيل يوحنا في الإصحاح الرابع عشر إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر يثبت معكم إلى الأبد. وهذه كلمة يونانية تعنى الرحيم الذي يدافع الأحزان! فمن هو هذا القادم الذي تبقى رسالته إلى الأبد؟ إنني أتبع محمدا لأن كتابه تجاوب مع ضميري! إنني عرفت الله بعقلي بعدما نظرت في نفسي وفي آفاق العالم الذي يضمني وسائر البشر. وإذا كان كتاب محمد لا يصلح دليلا على رسالته، فلن يصح في الأذهان شيء، ولن تصدق رسالة بشر!! والنبوءات التي تشير إلى صدق محمد قد تخدم أصحابها، أما محمد نفسه فحسبه كتابه وسيرته.. {ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}. إن العقل أثمن ما وهب الله للناس، والإيمان الذي يقوم على تخدير العقل أو تمويته لا وزن له ولا خير فيه، ولكن جماهير غفيرة تنحى العقل جانبا ثم تتكلم، فكيف نسمع لها؟ وقد ختمت السورة بمعنيين كريمين يصدقان ما بدئت به: الأول أن الحياة إيمان وجهاد {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم}. وقد اقتبس شوقي هذا المعنى في قوله:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا ** إن الحياة عقيدة وجهاد!

أما الثاني فهو استعداد المؤمن في كل موطن لنصرة الله وإعلاء كلمته. إنه يمشى في دروب الحياة مصيخا السمع، فإذا بلغته صيحة تدعو إلى الله هرع إليها ولبى صاحبها وكان رجع الصدى، كما نصدق المؤذن عندما يشق بصوته أجواز الفضاء داعيا إلى الصلاة. وقد اعتمد عيسى على هذا التأييد عندما رأى اليهود يرتابون فيه وينصرفون عنه فصاح: {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله}! وحواريو عيسى كأصحاب محمد، ككل متجرد للحق يؤنس وحشته ويرفع رايته، هم أمل الرسالات في قيامها وبقائها. والإسلام في هذا العصر بحاجة إلى أن نفهم هذه الآية في ختام سورة الصف: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله...}. اهـ.